إشراقة
بَرَّ
بوالديك
لِيَبَرَّ بك
أبناؤك
لقد أكّد الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم - على البرّ بالوالدين تأكيدًا لا مزيد عليه في نصوص صريحة لاغموض فيها لا تقبل تأويلاً؛ فقال تعالى: «وَ وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا» (العنكبوت/8) وقال تعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَنْ لَّا تَعْبُدُوا إِلّآ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَآ أُفٍّ وَّلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيٰنِي صَغِيرًا» (الإسراء/ 23-24). وقال تعالى: «وَ وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ج حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَّهْنٍ وَفِصٰلُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَط» (لقمان/14) وقال تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا به شَيْئًا وَّبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (الأنعام/151).
وقد
جاء في الحديث
ما يؤكد أن
برّ الوالدين
من أحبّ
الأعمال إلى
الله تعالى،
ولكونه أفضل من
الجهاد –
إذا لم يكن
فرض عين –
قدّمه الحديث
على الجهاد؛
فعن أبي عبد
الرحمن عبد
الله بن مسعود
–
رضي الله عنه –
قال: سألتُ
النبي – صلى
الله عليه
وسلم - أيُّ العمل
أحبُّ إلى
الله تعالى؟
قال: «الصلاةُ
على وقتها».
قلتُ: ثم
أيٌّ؟. قال: «برّالوالدين».
قلتُ: ثم
أيٌّ؟. قال: «الجهاد
في سبيل الله»
(البخاري،
برقم 527؛ 5970؛
مسلم، برقم 139؛
264).
وعن
معاوية بن
جهامة السلمي –
رضي الله عنه –
قال: أتيتُ
رسول الله –
صلى الله عليه
وسلم - فقلتُ:
يا رسول الله
إني كنتُ
أردتُ
الجهادَ مَعَك
أبتغي بذلك
وجه الله
والدار
الآخرة. قال: «ويحك
أحيّةٌ أمك؟»
قلتُ: نعم. قال: «اِرْجِع
إليها
فبرّها» ثم
أتيتُه من
الجانب
الآخر، فقلتُ:
يا رسول الله
إني كنتُ
أردتُ الجهاد
معك أبتغي
بذلك وجه الله
والدار
الآخرة. قال: «ويحك
أحيَّةٌ
أمُّك؟».
قلتُ: نعم. قال: «اِرْجِعْ
إليها
فبرّها». ثم
أتيتُه من
أمامه، فقلتُ:
يا رسول الله
إني كنتُ
أَردتُ
الجهادَ معك
أبتغي بذلك
وجه الله
والدار
الآخرة. قال: «ويحك
اِلْزَمْ رجلَها
فثم الجنة»
(أحمد؛ برقم 6525؛
وابن ماجه،
برقم 2781).
والوالدان هما
وحدهما أحق
الناس بحسن
الصحبة، كما
أكّد على ذلك
رسولنا
المصطفى – صلى
الله عليه
وسلم - فعن أبي
هريرة –
رضي الله عنه –
قال: جاء رجل
إلى رسول الله
– صلى الله
عليه وسلم -
فقال: يا رسول
الله من أحق
الناس بحسن
صَحَابَتِي؟.
قال: «أمُّك».
قال: ثم من؟.
قال: «أمُّك».
قال: ثم من؟.
قال: «أمُّك».
قال: ثم من؟.
قال: «أبوك»
(البخاري،
برقم 5626؛ 5975؛
مسلم، برقم 2548؛
6664).
وفي
رواية: يا
رسول الله من
أحقُّ بحسن
الصُّحْبَة؟.
قال: «أمُّك،
ثم أمُّك، ثم
أمُّك، ثم
أباك، ثم
أدناك أدناك»
(الترمذي،
برقم 1897؛
أبوداود،
برقم 5139؛ 5141)
ومقتضى
الحديث أن
يكون للأمّ
ثلاثة أمثال
ما للأب من
البر، وكأن
ذلك لما
تتحمله الأم
من الأعباء
الثلاثة التي
لا يتحملها
الأب، وهي صعوبة
الحمل، ثم
الوضع، ثم
الإرضاع. قال
القرطبي (محمد
بن أحمد بن
أبي بكر بن
فرح الأنصاري
الخزرجي
الأندلسي أبو
عبد الله من
كبار
المفسرين المتوفى
671هـ/1266م): إن الأم
تستحق الحظَّ
الأوفرَ من البرّ.
فقد قال إشارة
إلى الحديث
المذكور: «فهذا
الحديث يدلّ
على أن محبة
الأم والشفقة
عليها ينبغي
أن تكون ثلاثة
أمثال محبة
الأب؛ لذكر
النبي – صلى
الله عليه
وسلم - الأم
ثلاث مرات،
وذكر الأب في
الرابعة فقط.
وإذا
تُؤَصِّل هذا
المعنى شهد له
العيان؛ وذلك
أن صعوبة
الحمل وصعوبة
الوضع وصعوبة
الرضاع والتربية
تنفرد بها
الأم دون
الأب؛ فهذه
ثلاث منازل
يخلو منها
الأب» وأضاف:
«وقد زعم المحاسبي
في «كتاب
الرعاية» له
أنه لاخلاف
بين العلماء
أن للأم ثلاثة
أرباع البرّ،
وللأب الربع
على مقتضى
حديث أبي
هريرة، والله
أعلم» (الجامع
لأحكام
القرآن، في
معرض تفسير
الآيتين 23-24 من
سورة
الإسراء).
و«الصَّحَابَةُ»بمعنى
الصُّحْبَة.
وقوله: «ثم
أباك» منصوب
بفعل محذوف،
أي ثم بَرَّ
أَباك. وفي
رواية «ثم أبوك».
وقد
أخبر النبي –
صلى الله عليه
وسلم - بأنه لَزِمَ
الذلُّ من
أدرك أبويه
عند الكبر،
فلم يبرّهما
برًّا استحق
به رضا الله
وجنته. فعن
أبي هريرة عنه
– صلى الله
عليه وسلم -: «رَغِمَ
أنفُ، ثم رغم
أنفُ، ثم رغم
أنفُ من أدرك
أبويه عند
الكبر،
أحدهما أو
كليهما، فلم
يدخل الجنة»
(مسلم، برقم2551؛
6674؛ 6675).
وأخبر
النبي – صلى
الله عليه
وسلم - أن رضا
الله في رضا
الوالد وسخطه
تعالى في
سخطه، فعن عبد
الله بن عمرو
بن العاص –
رضي الله
عنهما –
عن النبي –
صلى الله عليه
وسلم - قال: «رضا
الربّ في رضا
الوالد وسخط
الربّ في سخط
الوالد»
(الترمذي،
برقم 1962).
وقد
أمر النبي –
صلى الله عليه
وسلم -
الصحابي الذي
جاءه يبايعه
على الهجرة
والجهاد
بالرجوع
إليهما
وإحسان
صحبتهما
والجهاد
فيهما، فعن
عبد الله بن
عمرو بن العاص
–
رضي الله
عنهما –
قال: أقبل رجل
إلى نبي الله
– صلى الله
عليه وسلم - فقال:
أبايعك على
الهجرة
والجهاد
أبتغي الأجر من
الله تعالى.
قال: «فهل لك
من والديك أحد
حيٌّ؟» قال:
نعم. قال: «فارجع
إلى والديك،
فأَحْسِنْ
صُحْبَتَهما»
(مسلم، برقم 6671؛
2549؛ أبوداود،
برقم 2530 واللفظ
لمسلم).
وفي
رواية
للشيخين: جاء
رجل فاستأذنه
في الجهاد،
فقال: «أحيٌّ
والداك؟».
قال: نعم. قال: «ففيهما
فجَاهِدْ».
(البخاري،
برقم 3004؛ 5972؛
مسلم، برقم 6668).
والمراد
– كما قال
العلماء –
بالجهاد
فيهما جهاد
النفس في وصول
البرّ إليهما،
بالتلطف
بهما، وحسن
الصحبة
والطاعة وغير
ذلك. وفي
الحديث دليل
عظيم على عظم
فضيلة
برالوالدين،
وأنه آكَدُ من
الجهاد في سبيل
الله إذا كان
فرض كفاية،
فيحرم على
المسلم أن
يجاهد إلاّ
بإذنهما،
أمّا إذا كان
فرض عين فلا.
و
ورد تأكيد هذا
المعنى
تأكيدًا
بالغًا في حديث
طويل رواه
الشيخان عن
أبي عبد الرحمن
عبد الله بن
عمر بن الخطاب
–
رضي الله
عنهما –
معروف
بـ«حديث
أصحاب
الغار»في قصة
النفر الثلاثة
الذين سدّت
الصخرةُ
عليهم الغارَ
الذي أَوَوْا
إليه للمبيت «فقالوا:
إنه لا
يُنْجِيكم من
هذه الصخرة
إلاّ أن تدعوا
الله بصالح
أعمالكم. قال
رجل منهم: اللّهم
كان لي أبوان
شيخان
كبيران،
وكنتُ لا
أَغْبِق قبلهما
أهلاً ولا
مالاً. فنأى
بي طلبُ الشجر
يومًا فلم
أُرِحْ
عليهما حتى
ناما، فحلبتُ
لهما غَبُوقَهما
فوجدتُهما
نائمين،
فكَرِهْتُ أن أوقظهما
وأن أَغْبِق
قبلهما أهلاً
أو مالاً،
فلَبِثْتُ –
والقدحُ علي
يدي –
أنتظرَ
استيقاظَهما
حتى برق
الفجرُ –
والصبية
يَتَضَاغَوْن
عند قدمي –
فاستيقظا
فشربا
غبوقهما.
اللهم إن كنتُ
فعلتُ ذلك
ابتغاءَ وجهك
ففَرِّجْ
عنّا ما نحن
فيه من هذه
الصخرة،
فانفرجت
الصخرة
شيئًا».
(البخاري،
برقم 2215؛ 3278؛
مسلم، برقم 2743).
وقد
دلّ الحديث
على أنه ينبغي
للمسلم
الدعاء عند
الكرب،
والتوسّل
بالعمل الصالح،
وأكّد
الحديثُ فضلَ
برّ الوالدين
وخدمتهما
وإيثارهما
على من سواهما
من الوالد
والزوجة.
وفي
حديث طويل آخر
في قصة
«جُرَيْجٍ» -
وكان عابدًا
صالحًا
مُتَبَتِّلاً
في بني
إسرائيل –
ورد ما يؤكّد
عظم
برالوالدين
وإجابة دعائهما
ولو كان الولد
معذورًا.
فقد
روى أبو هريرة
–
رضي الله عنه – عن
النبي – صلى
الله عليه
وسلم - قال: «لم
يتكلم في
المهد إلاّ
ثلاثةٌ: عيسى
ابن مريم،
وصاحب
جُرَيْج. وكان
جُرَيْجٌ
رجلاً عابدًا،
فاتخذ
صَوْمَعَةً،
فكان فيها،
فأَتَتْه
أمُّه –
وهو يصلي –
فقالت يا
جُرَيْجُ.
فقال: يا ربّ
أمّي وصلاتي (أي
اجْتمِعْ على
إجابة أمّي
وإتمام صلاتي
فوَفِّقْنِي
أن
أُفَضِّلهما)
فأقبل على
صلاته،
فانصرفتْ.
فلما كان من
الغد أتته –
وهو يصلي –
فقالت: يا
جُرَيْجُ،
فقال: أي ربّ
أمّي وصلاتي،
فأقبل على
صلاته. فلما
كان من الغد
أتته –
وهو يصلي –
فقالت: يا
جُرَيْجُ،
فقال: أي ربّ
أمي وصلاتي،
فأقبل على
صلاته، فقالت:
اللّهم لا
تُمِتْه حتى
ينظر إلى وجوه
المومسات (الزانيات).
فتذاكر بنو
إسرائيل
جريجًا
وعبادتَه،
وكانت امرأةٌ
بَغِيٌّ
يُتَمَثّل
بحسنها،
فقالت: إن
شئتم
لأَفْتِنَنَّه،
فتَعَرَّضَتْ
له، فلم يلتفت
إليها، فأتتْ
راعيًا كان
يأوي إلى صَوْمَعَته،
فأَمْكَنَتْه
من نفسها فوقع
عليها. فحملت،
فلما ولدتْ
قالت: هو من
جُرَيْج،
فأَتَوْه
فاستنزلوه
وهدموا
صَوْمَعَتَه،
وجعلوا
يضربونه،
فقال: ما
شأنكم؟ قالوا:
زَنَيْتَ
بهذه
الْبَغِيِّ
فولدتْ منك.
قال: أين الصبيّ؟
فجاؤوا به،
فقال: دَعُوني
حتى أصلي، فصلى،
فلما انصرف
أتى الصبيَّ،
فطعن في بطنه
وقال: يا
غلامُ من
أبوك؟ قال:
فلان الراعي،
فأقبلوا على
جريج
يُقَبِّلُونه
ويَتَمَسَّحُون
به، وقالوا:
نبني لك
صَوْمَعَتَك
من ذهب، قال:
لا،
أعيدوهامن
طين كما كانت،
ففعلوا». (البخاري،
برقم 2482؛ مسلم،
برقم 6673).
ولذلك
كلّه من
الفضائل التي
يحظى بها
البرّ بوالديه،
كان عقاب الله
شديدًا لمن
يعقّهما أو
أحدهما، فعن
أبي بكرة
نُفَيْع بن
الحارث –
رضي الله
عنهما –
قال: قال رسول
الله – صلى
الله عليه
وسلم -: «ألا
أُنَبِّئَكُم
بأكبر
الكبائر؟» -
ثلاثًا –
قلنا: بلى يا
رسول الله.
قال: «الإشراكُ
بالله، وعقوق
الوالدين».
وكان متكئًا
فجلس فقال: «ألا
وقول الزور
وشهادة
الزور»
فمازال
يُكَرِّرُها
حتى قلنا:
ليتَه سكت. (البخاري،
برقم 2654؛ 6273؛
مسلم؛ برقم 143).
وعن
عبد الله بن
عمرو بن العاص
– رضي الله عنهما
– عن النبي –
صلى الله عليه
وسلم - قال: «الكبائر:
الإشراك
بالله، وعقوق
الوالدين، وقتل
النفس،
واليمين
الغموس»
(البخاري،
برقم 5977؛ 6675؛
مسلم برقم 271).
وتتجلى
شناعة عقوق
الوالدين من
أنه – صلى الله
عليه وسلم -
ذكر عقوق
الوالدين إثر
الإشراك بالله
مباشرة،
فعقوق
الوالدين
يفوق جميعَ
الكبائر في
المؤاخذة
والعقاب إلاّ
الإشراك
بالله الذي
يفوق عقوقَ
الوالدين
كذلك في
الشناعة؛
لأنه تعالى
لايغفره بحال
ويغفر دون ذلك
لمن يشاء.
فليحذر
الذين يعقّون
أبويهم،
ويشقون عصا طاعتهما،
ويؤذونهما
ولو بأدنى
أذية؛ حيث
توعّدهم الله
تعالى بأنه
لاينظر إليهم
يوم القيامة،
ولايدخلهم
جنته، فعن ابن
عمر –
رضي الله
عنهما –
قال: قال رسول
الله صلى الله
عليه وسلم: «ثلاثة
لا ينظر الله
عزّ وجلّ
إليهم يوم
القيامة:
العاقّ
لوالديه،
والمرأة
المُتَرَجِّلَة،
والدَّيُوث.
وثلاثة
لايدخلون
الجنة: العاق
لوالديه،
والمدمن على
الخمر،
والمنّان بما
أعطى»
(النسائي،
برقم 2561؛ 2562).
والعاقّ
لوالديه يلقى
العقوبة
المُعَجَّلَة
في الدنيا
فضلاً عما
يلقاه في
الآخرة؛ فقد قال
– صلى الله
عليه وسلم - : «ما
من ذنب أجدر
أن يُعَجِّل
الله تعالى
لصاحبه
العقوبة في
الدنيا مع ما
يدخره له في
الآخرة من
البغي وقطيعة
الرحم»
(أحمد، برقم 20390؛
20414).
إن
العقوق أمره
خطير، وشرّه
مستطير؛ لأنه
يحدث خللاً في
المجتمع
البشري؛ لأنه
يُسَبِّب تَفَكُّكاً
أسريًّا،
ويجعل اللحمة
الاجتماعية
تضطرب وتؤدي
إلى تداعيات
مدمرة بعيدة المدى؛
فعلى الولد أن
يعي دائمًا
أنه لن يوفي
والديهما
حقَّهما مهماخدمهما
وعمل
لإرضائهما،
وسهر على
توفير كل أسباب
الراحة لهما.
إن أحدًا لن
يسدّد دين
والديه
لأنهما
يضاعفان
دينهما عليه
بدعائهما الدائم
الصادق له،
وخوفهما
المتصل عليه،
ومحبتهما
الصافية له،
وحنانهما غير
القابل للوصف
عليه.
إن
الإنسان
عندما يتزوج،
ويصبح له
عيال، ربما
يتشاغل عن
والديه
بتوفير كل
مطلب للزوجة
والعيال،
فيتأذيان –
الوالدان –
كثيرًا،
وربما يكفّان
عن الدعاء
عليه؛ ولكن الله
العليم يعلم
بأحوال
قلبهما
وتأذيهما من
تصرفات ولده
الذي كانت
أمانيهما
اختصرت في تنشئته
وتربيته
وتأهيله
لدوره في
الحياة
نحوهما ونحو
الذين عليه
لهم حقوق؛
فيصاب
بالبلاء في
الدنيا قبل
الآخرة،
وتفشل
محاولاته في
الحياة، ويخسر
كثيرًا من
المكاسب رغم
كل حيلة
يبذلها للحفاظ
عليه، ويلقى
خسائر رغم كل
وقاية يتخذها
للحفاظ
عليها؛ فيقول
في نفسه
لنفسه؟ لماذا
أواجه
الخسائر
والخيبات
والأضرار
وفعلت ما
بوسعي من
التدابير
التي تحول
دونها، ولا
يدرك أنه زرعها
بنفسه حين عقّ
والديه، ولم
يهتمّ بأمرهما
وإنما انصرف
عنهما إلى
أموره هو
وحدها، فجازاه
الله في دنياه
قبل آخرته
بهذه المصائب
والخسائر
التي يكاد
لايدرك
مصدرها، ولو
راجع نفسه
قليلاً
لأدركه –
المصدر –
ولربّما
وُفِّقَ
لتلافي جميع
الإساءات والإيذاءات
التي ارتكبها
نحو والديه أو
أحدهما.
إن
هناك كثيرًا
من الزوجات
الشقيات
اللاتي يفرقن
بين أزواجهن
وبين والديهم
عن طريق أساليب
كثيرة بما
فيها شكايتهن
إيّاهما
إليهم بشكل
دائم، وجعلهن
توافه الأمور
التي تكون قد
صدرت منهما
ضخمة خطيرة،
فليتقين الله
فيهما،
ويحذرن
مؤاخذته وعقابه؛
لأن الدنيا
أيام معدودة
ونعيمها زائل
وما يلقين من
الأزواج على
حساب والديهم
فانٍ لامحالة.
وكثير
من الأبناء
يقعون في
حبائلهن
يُلَبُّون
جميع
مطالبهن، بل
يُوَفِّرُون
لهن فوق ما
يطلبنه منهم،
وبالمقابل
لايُلَبُّون
لوالديهم
أيَّ حاجة
يعرضانها
عليهم يكونان
هما في أشدّ
حاجة إليهما.
وهنا
ينبغي أن
يُلاَحَظَ
أنه ليس عيبًا
أو نقيصة أن
يعاشر المرأ
زوجته
بالمعروف
حسبما أمرته
به الشريعة
الإسلامية
السمحة؛ بل
العيب والإثم
أن لايخدم الوالدين
أو أحدهما متى
ما طلبا شيئًا
كانا بأمسّ
حاجة إليهما،
على حين إن
طاعتهما
واجبة وجوبًا
قاطعًا فيما
لم يكن إثمًا
أو عصيانًا لأمر
الله.
وحقًّا
يبعث الأسف
الممض والألم
الذي لايُحْتَمَل
عندما نرى أو
نسمع أن بعض
الأبناء يُقَدِّمُون
أوامر
زوجاتهم على
أمر الوالدين،
على حين إن
طاعتهما
فريضة ولو
كانا مشركين،
لأن البرّ
بهما واجب في
حالة الشرك والكفر
في غيرما هو
معصية، قال
تعالى:
«وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَىٰ أَنْ
تُشْرِكَ بِي
مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلاَ
تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا
فِي
الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا»
(العنكبوت/8).
وعن
أسماء بنت أبي
بكر الصديق –
رضي الله
عنهما –
قالت:
قَدِمَتْ
عليّ أمي وهي
مشركة في عهد
رسول الله –
صلى الله عليه
وسلم -
فأسْتَفْتَيْتُ
رسول الله –
صلى الله عليه
وسلم - قلتُ:
قَدِمَتْ
عليّ أمي وهي
راغبة (أي
طامعة عندي
تسألني شيئًا)
أَفَأَصِل أمي؟
قال: «نعم،
صِلِي أمَّك»
(البخاري،
برقم 2477؛ 2620؛
مسلم، برقم 1003،
2372؛ أبوداود،
برقم 1668).
نجد
كثيرًا من
الآباء يشكون
أبناءهم
وبناتهم عدم
البرّ بهم، بل
العقوق
الشديد منهم
لهم، ومخالفتهم
الدائمة
لأوامرهم،
قبل الزواج وبعد
الزواج كذلك،
وعندما نتفقد أحوالهم
ندرك أنهم
أيضًا عقّوا
والديهم أو أحدهما،
ولم يهتموا في
حياتهم
بأمورهم؛
وإنما ظلّوا
عاصين لهم قبل
أن يتزوجوا،
وصاروا أشدّ
عصيانًا
بعدما
تزوجوا، وكان
لهم الأهل والعيال
وكثرت عليهم
الحقوق
والمستحقات.
ليعلم الآباء
أنهم سيلقون
عقوقًا من
أبنائهم مقابل
عقوقهم
لوالديهم؛
لأن من برّ
والديه، برّه
أبناؤه، ومن
عقّ والديه
عقّه لامحالة
أبناؤه.
منذ
سنوات كنت في
زيارة دعوية
لإحدى القرى
في مديرية
«سهارنبور» -
التي تقع فيها
«ديوبند» التي
تحتضن أكبر
جامعة
إسلامية
أهلية في شبه القارة
الهندية وهي
الجامعة
الإسلامية
دارالعلوم – وفي أحد
المجالس في
القرية ذكر
أحد الآباء عقوق
أبنائه
وبالمقابل
اهتمامهم
بأمور زوجاتهم
وعيالهم؛
فقال له رجل
من القرية:
أما أبنائي
فكلهم بارّون
بي وبزوجتي بل
بوالديّ، ولم
ألق منهم
عقوقًا أو
شائبة من
العصيان منذ
أن ربّيتُهم
صغارًا حتى
صاروا
غلمانًا ثم شبانًا،
ذوي زوجات
وأولاد، كلهم
يَتَرَامَوْن
على خدمتي،
وتلبية كل أمر
أصدره إليهم،
ويتنافسون في
تحقيق حاجاتي.
وقد أكّد
للرجل: إن
الأبناء لن
يكونوا عاقين
إلاّ إذا كنتَ
قد عققتَ
والديك. وهنا
سكت الرجل
وأطرق رأسه
متأملاً في
شيء بدت
علامات الأسف
على وجهه.
وبعد ما انفض
المجلس،
وتوجه الرجل
إلى بيته. قال
أحد الحضور:
إن الرجل ظلّ
يؤذي والديه
بتصرفاته،
ودائمًا كان
والداه
يلقيان
العنتَ منه.
وذلك جزاءُ
مُعَجَّلٌ له
يلقاه من
أولاده الذين يشكوهم
الآن إليكم.
ألا،
إن طاعة
الوالدين
دليل على حسن
الإسلام؛ بل
كمال الإيمان
وعلى المروءة
والإنسانية
اللتين إذا
تحلّى بهما
الإنسان تخرج
إنسانًا
محبوبًا لدى
ربّه ولدى
خلقه، عليه
براءة الطفل
المولود، بل
براءة
الملائكة. إن
ذلك لمن أفضل
الطاعات،
وأقوم الطرق
إلى الجنة،
إنه يضمن حسن
الذكر، وطيب
السمعة،
وجزيل الدعاء
من الناس،
وجميل العطاء من
الله العليم
الحكيم
الحليم.
(تحريرًا
في الساعة 12 من
ظهيرة يوم
الاثنين: 28/رجب
1436هـ = 18/مايو 2015م)
أبو
أسامة نور
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم ديوبند
، ذوالحجة 1436 هـ =
سبتمبر –
أكتوبر 2015م ، العدد
: 12 ، السنة : 39